■ د. عالية شعيب

قال المعلم الأول سقراط حين شرع بشرب السم بعد الحكم عليه بالاعدام: «ويل لمن سبق عقله زمانه».
وبالفعل، كل ما حولنا اليوم من سوء معاملة للأدباء والكتّاب، وعدم تقدير للمفكرين، يؤكد كلام سقراط، من تضييق للحريات وقمع للرأي والبحث، اللذين كفلهما الدستور المجمد وغير المطبّق.
عندما توجد في مجتمع لا يحترم الفكر ولا يقدّر الابتكار والابداع، حين توجد في مجتمع الغالبية فيه صامتة عاجزة جامدة، لا تفكر، لا تسأل، لا تتطور، ولا تناقش. الغالبية فيه تؤمر وتنفذ، تطيع بسذاجة وتردد وتقلد بغباء، حينها تكون المأساة.
حين تقف مع الحقيقة ضد الفساد، حين تمتلك الشجاعة للانشقاق من القطيع الصامت لتعلن كلمة حق، سكت عنها وخاف من قولها الجميع، ثم تُقابل بالرفض والجحود والنكران، تُعاقب، تُقمع، تُطرد، تُخوّن، تلام وتُساءل في ما قلت وصرّحت، حين ينفضّ من حولك لقولك الحق، وتقف وحيدا، هذا لا يعني أنك ضعيف أو وحيد، لأن وحدتك هنا قوة، ودلالة تميز وتفرد وتسام على واقع داكن فاسد عاجز… وقوفك وحدك يعني أنك مناضل ومصلح، ونضالك مكلف لا شك، لكنه سيؤتي ثماره ولو بعد حين.
ويبدو أننا في هذا السياق بحاجة لممارسة ما أسميه بسياسة الحذف، حذف الخوف والتردد والتخاذل من قاموس سلوكنا، حذف كل من يخذلنا ويحبطنا، من لا يساندنا ولا يشجع خطواتنا ووقوفنا بجانب الحقائق وفي سبيل كشف الفساد.
قال حكيم: في وقت العاصفة، تهرب كل الطيور لتختبئ، أما النسر، فيخترق العاصمة بشجاعة، ليصل الى السماء الصافية فوقها.
وكذلك الفرق بين العامة الذين يختبئون حين تزمجر الحقيقة، ويتمسكون براحة وهدوء جهلهم. أما الباحث والناقد والمصلح، المواطن الحق الذي لا يخشى مواجهة العواقب والعقبات من أجل كشف الحقيقة وفضح الفساد، فهو يمارس مواطنته وانسانيته، بالشكل الأكمل والأجمل، أما البقية، فقطيع يقوده جهل ويحرسه عجز.
الرسالة موقع إخباري متنوع