حين تحوّلت مظلة عابرة إلى اختبار مُحرِج لصدقية الخطاب الحقوقي في المغرب. التفاصيل👇When a Passing Umbrella Turned into an Embarrassing Test of the Credibility of Human Rights Discourse in Moroccoلم تكن الصورة التي جرى تداولها لرئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهي تمشي تحت المطر منشغلة بمكالمة هاتفية، بينما يسير إلى جانبها موظف يحمل مظلة تقيها البلل، مجرد لقطة عابرة التقطتها الصدفة. لقد تحولت، بسرعة قياسية، إلى مشهد رمزي مكثّف، وإلى مادة نقاش عمومي تجاوزت تفاصيل الطقس لتلامس جوهر الخطاب الحقوقي وحدود انسجامه مع الممارسة اليومية.الجدل الذي فجّرته الصورة لا علاقة له بالمطر ولا بالمظلات في حدّ ذاتها، بقدر ما يرتبط بما تختزنه التفاصيل الصغيرة من دلالات حين تصدر عن مؤسسة يُفترض أنها الأكثر حساسية تجاه صورتها العامة. فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان ليس إدارة تقنية عادية، بل مؤسسة تُخاطب الضمير، وتبني شرعيتها الرمزية على القرب من الإنسان والدفاع عن الكرامة، لا فقط عبر التقارير والبلاغات، بل أيضًا من خلال السلوكيات والتمثلات اليومية.عدد من الحقوقيين قرأوا المشهد باعتباره تجسيدًا صامتًا لمنطق الامتياز المريح: مسؤولة محمية من البلل، وموظف يؤدي دورًا خدميًا في الخلفية، في صورة لا تقول شيئًا بالكلام، لكنها تهمس بالكثير عن المسافة الرمزية بين من يتحدث باسم الحقوق، ومن يعيش يوميًا بلا مظلة، وبلا هاتف مشغول، وبلا مؤسسة تفكّر أصلًا في صورته أو كرامته.ولأن الصورة، في زمن التواصل السريع، لا تُناقش بمعزل عن المقارنة، فقد استحضر رواد النقاش مفارقة لافتة: رئيس أقوى دولة في العالم يُشاهَد غير ما مرة وهو يحمل مظلته بيده، يمشي وسط الناس، ويتبلل أحيانًا دون أن يعتبر ذلك مسًّا بالهيبة أو انتقاصًا من الموقع. هناك، تبدو الكرامة أقل حاجة إلى البروتوكول، بينما تتحول عندنا تفاصيل بسيطة إلى طقوس صامتة للتمييز وإعادة إنتاج المسافة.أما السخرية التي رافقت تداول الصورة، وعلى رأسها عبارة:
“حقوق الإنسان تحت المظلة شخصيًا… اللهم لا حسد”.

فلم تكن نكتة عابرة أو تهكمًا مجانيًا، بل شكلًا من أشكال النقد الشعبي، يعبّر عن شعور عام بأن جزءًا من المؤسسات الحقوقية الرسمية بات أقرب إلى منطق الإدارة المريحة والتمثيل البروتوكولي، منه إلى موقع النقد والمساءلة والانحياز الواضح للمواطن العادي.بهذا المعنى، لم تكن المظلة هي موضوع النقاش الحقيقي، بل ما ترمز إليه. فقد تحولت لقطة عابرة إلى اختبار رمزي مُحرج، أعاد طرح سؤال قديم ومتجدد: إلى أي حد ينسجم الخطاب الحقوقي الرسمي مع القيم التي يرفعها؟ وأين تقف المسافة بين الدفاع عن الحقوق في النصوص، وتجسيدها في التفاصيل الصغيرة التي لا تخطئها عين الرأي العام؟
■ من صفحة فيسبوك: كراش سياسي
الرسالة موقع إخباري متنوع