لا تكن قارئا ؟

● سعيد حجي

من يقرأ ما يقرؤه الجميع، سينتهي به المطاف إلى أن يفكر كما يفكر الجميع، ويشعر كما يشعر الجميع، ويخاف من نفس المخاوف التي يتداولها الجميع…

والخوف هنا، هو ما أشار إليه المفكر الإسباني ميغيل دي أونامونو حين قال: “الجماهير لا تفكر، بل تستهلك ما يُفكَّر لها.”
الكتب الاكثر مبيعا ليست معيارا للمعرفة، بل انعكاسا لما يريده السوق، وما يرغب الناس في تصديقه، لا ما ينبغي عليهم فهمه. إنها كتب سريعة، خفيفة، أشبه بوجبة جاهزة تسوّق بوعد غير مكتمل: “اشعر بأنك بخير في عشر خطوات!”،الخميائي ، الاسود يليق بك… واخرى رخيصة تباع فوق الرصيف
هذه ليست كتبا، بل أدوات تخدير، كتب تسوّق الراحة بدلا من الحقيقة، وتبيع الوهم بدل الوعي.
الكتاب الذي يغيّرك لا يُعرض في الواجهة، ولا يُقدّم لك على طبق من ذهب. إنه مختبئ، مثل المعنى الحقيقي في زحام اللغة، مثل الحكمة في زمن الضجيج…
ما تقرأه لا يجب أن يروق لك دائما، بل يجب أن يهزك، أن يضعك أمام أسئلتك لا أمام أجوبة الآخرين. أن يشقك نصفين لتعرف من أنت، لا ليخبرك كيف تكون نسخة من شخص آخر.
كما كتب إميل سيوران: “أصدق الكتب تلك التي توقظ فينا جروحا كدنا ننساها”
أما الكتب الاكثر مبيعا فهي تلك التي تضع ضمادة سريعة على الجرح، دون أن تعرف إن كان ندى الجرح دما أم ماء…
أين هي الكتب التي نعود إليها مرتين؟ أين تلك التي لا تُقرأ بل تُعاش؟
كتب عبد الرحمن بدوي، علي عزت بيغوفيتش، نيتشه، وايتهيد، ومارسيل موس وغيرهم ليست كتب جماهيرية، لا تصرخ في الإعلانات، ولا تبتسم على أغلفة لامعة، لكنها تعيش في القارئ مثل نار تحت الجلد…
ثقافة القراءة اليوم صارت جزءا من ثقافة السوق. الغلاف أهم من المضمون، واسم الكاتب أهم من أفكاره، وحجم التفاعل على مواقع التواصل هو معيار القيمة…
لكن، المعرفة الحقيقية ليست عرضا تجاريا. إنها طريق وعر، غير معبّد، لا يقطعه سوى من يملك سؤالا حقيقيا بداخله، لا من يملك وقت فراغ.
كما قال الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار:”القراءة التي لا تترك ندبة ليست قراءة، بل تسلية.”
ابحث عن الكتب التي تعذبك، التي تزعج هدوءك الداخلي، التي تضعك في مواجهة مع كل ما كنت تظنه مستقرا.
الكتاب العظيم لا يريحك، بل يشبه ضيفا ثقيلا يدخل إلى وعيك، يبعثر أثاث أفكارك، ويخرج دون أن يرتب شيئا.
اقرأ لا لتؤكد ما تعرف، بل لتشك فيه. لا لتتفاخر بما قرأت، بل لتتواضع أمام ما تجهل.
الكتب ليست مرآة للذات، بل مرآة للهوّة بين ما نحن عليه وما نريد أن نكونه.
فلا تغترّ ببريق الأكثر مبيعا، لأن ما يلمع كثيرا قد لا يكون ذهبا، بل خداعا مطليا بلون العادة.
ابحث عن الكتب التي لا يعرفها إلا القلّة، تلك التي تحتاج إلى جهد للوصول إليها، لأن ما يكلّفك الوصول إليه، يثمر أكثر حين تملكه…
وكل قارئ يختار أي إنسان يريد أن يكون، لا من خلال حياته، بل من خلال مكتبته.

شاهد أيضاً

ما الذي يدفع شخصا نشأ في سياق غربي تهيمن عليها الرواية الإسرائيلية يركب سفينة محفوفة بالمخاطر دفاعا عن مظلومين لا تجمعهم بهم غير الإنسانية ؟

‎ ‎ طرحت هذا السؤال على أكثر من مشارك في سفينة “حنظلة”.‎بصيغة أدق كان السؤال: …

قراءة في كلمة الفاعل الاجتماعي ناصر الزفزافي من سطح منزله

لم يكن مشهد ناصر الزفزافي وهو يخاطب المعزين من سطح منزل عائلته في الحسيمة مجرد …

اترك تعليقاً