فرق بين “النظر السوي الممتد” وبين “النظر الأنْفِيِّ المُكِب”

{أَفَمَن یَمۡشِی مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦۤ أَهۡدَىٰۤ أَمَّن یَمۡشِی سَوِیًّا عَلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ}[الملك٢٢].

هل تدرك المرأة العاقلة مآل أمرها من خلال إغراءها وإطماعها ببعض “متشابهات الحقوق”، ظني أنها لن تعقل ذلك على التمام والكمال إلا عندما يفر الرجل مرعوبا من زواجها، حينها ستنهار أمامها كل المكاسب الموعودة، إذ الشرط في استحقاق جميعها وجود الزوج، وبلا زوج ستواجه شبح العنوسة وجحيم الحياة…
كثير من الفضلاء يعتبرون ما يجري مَساعيَ محمودة لإنصاف المرأة، ويقدرونها سدودا تشريعية حافظة حامية زاجرة دون استغلال الرجل وعدوانه عليها، ولكن الذي أراه -متجاوزا النقاشات السطحية لبعض القضايا الحقوقية، والتى أقدر أهمية القول الاجتهادي فيها- أن الغاية من مسارات التعديل المختلفة -ضمن متوالياتها التاريخية-تتمثل في الإجهاز على “النظام الأسري الممتد” وعلى”نظام الزوجية” من خلال “متوالية النقص من أطراف الشريعة عروة عروة، والقصد الماكر من ذلك هو التمكين للعلاقات الحرة الطليقة من “قيود التعاقد الاجتماعي” والتشجيع على “العلاقات الرضائية الحرة بلا تبعة مالية ولا كلفة قانونية”…
“العقل التغريبي” عقل جاهل بمنطوق التاريخ الأسري في الغرب وما آلت إليه ظروف “الأسرة” بحسبانها “الوحدة الاجتماعية الإنتاحية لنظام القيم في المجتمع”، فاستمداده للنموذج الحقوقي الأسري القياسي والتمثيلي من الغرب، وسعيه الإلحاحي لتطويع الشريعة بدعوى الاجتهاد خضوعا منه لإلزامات المؤسسات الأممية وإكراهات الاتفاقات الدولية، ذلك من تصرفات “العقل الجاهل بالمحنة الأسرية في الغرب”، وهو في الوقت نفسه “عقل عبثي” لا يميز بين “العلاقات الأصيلة” و”العرضية” في النظام الاجتماعي الخاص والعام، لنضرب هذا المثل السريع: علاقة الزوج بوالديه علاقة أصيلة منشأها النسب الأصيل، هما الأصل وعلة وجوده، هو الفرع منهما، في حين علاقته بزوجه علاقة عقدية عارضة، فكيف يتم تكثيف القول في الحقوق المالية المكتسبة المشتركة في بيت الزوجية بين الزوجين، ولا يلتفت إلى “نتاج الوالدين” في ولدهما، وهو من كسبهما، ولولاهما لما كان ولما صار (أنت ومالك لأبيك، أمك ثم أمك ثم أمك)؟ هذا من التعبيث القيمي والثقافي والتشريعي…تغليب “العلاقة العقدية العارضة” على العلاقة النسبية الأصيلة” من تعبيثات “العقل الإحداثي”….
الغرب لم يعد بإمكانه العودة إلى الوراء لتصحيح زلاته وأوهامه وانتكاساته بخصوص نظام الأسرة، وهو من جهة أخرى -بلسان الوحي الشريف ومفرداته- يحسد المسلمين على “الوحدة الاجتماعية في التماسك الأسري” رغم العوارض السلبية في امتثال الأحكام الشرعية المتعلقة بالواجبات والحقوق بين أفراد الأسرة، وقد تبين للغرب أن الأسرة “مستودع القيم” و”مصنع الأجيال”، لذا يعمل حريصا على تفكيكها وهدم أسوارها، ومن أخطر مداخله ومخارجه توظيف “مظلومية المرأة” أداةً في النقض والتفكيك، يذكرني صنيع الغرب الحاسد بسابقة أسلافهم من أهل الكتاب:{مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیۡكُم مِّنۡ خَیۡرࣲ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ [البقرة -١٠٥] وقد جاء في الوحي الشريف بعدها قوله تعالى:{﴿وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدࣰا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ}[البقرة١٠٩]…
أعلم أن كثيرا من المتعجلة من ذوي “النظر الأنفي المسطح” سيسلون سيف المؤاخذة والمعاتبة قائلين: (ما هذا الانتحال في وضع نصوص الوحي في غير محالها ومناطاتها، وما هذا التمثيل لمن يجتهد في النظر الحقوقي والمصلحي في شؤون العلاقات الأسرية بأهل الكتاب، وبما ودوه في عصر الرسالة الأول؟)، أعلم ذلك منهم وأعرف عجلتهم في الاعتراض دون أن يكلفوا أنفسهم الاعتبار بالمآلات والعواقب، نظري على المآلات والعواقب، أمشي سويا على صراط الوحي في النظر والفهم والتأويل، أما العَجِلُ في اعتراضه فيمشي مكبا على وجهه، ينظر المسكين إلى ما تحت أنفه من مشاكسات حقوقية في بعض “متشابهات القول”)،
أزعم وأقدر أن “حسد الأمة على ما تبقى فيها من سكينة ومودة واستقرار أسري” بعد أن تبين لهم الحق من خلال التفكيك الأسري الذي حل بهم في مجتمعاتهم، والذي لا راد لبلاءاته ومحنه كما هو منظور مشهود، أزعم وأقدر أن هذا من دوافع الكيد والمكر والحرب المفتوحة على “معقل الأسرة” في عالم الإسلام…{والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[ يوسف ٢١]…
إني لا أرى تمكينا لهذه الأمة إلا حين تتعلم كيف “تتأول الأحاديث”…

  • ميمون نكاز.

شاهد أيضاً

الفرق بين الوظيفة والشخصية

سليمة فرجي: احيانا كنت اقرأ تدوينات لاشخاص لا تحظى بكثير من الاعجاب او التعليق ، …

حكومة تطاردها لعنات الأرض والسماء

عبدالعزيز كوكاس  في نفس المنطقة التي كان يقضي بها العديد من وزراء حكومة الكفاءات والموظفين السامين …

اترك تعليقاً