ذ. مصطفى صغيري، دكتور في القانون العام والعلوم السياسية. ابن مدينة بركان.
في فاجعة هزت مدينة بركان، فقدت الطفلة يسرى حياتها في حادث مأساوي، جراء سقوطها في بلاعة مياه الصرف الصحي الحار التي كانت مفتوحة في شارع غير مؤمن، لم تكن يسرى سوى طفلة صغيرة، في ربيعها التاسع، كانت عائدة من مدرستها إلى منزلها، كما اعتادت كل يوم. لكن اليوم كان مختلفًا، يومًا سيكون ذكره في قلب كل من عاش في المدينة، وسيظل في ذاكرة الجميع طويلاً.
يسرى، كما هي العادة، كانت تسير برفقة والدها تحت سماء ملبدة بالغيوم، كانت الأمطار قد بدأت تتساقط بغزارة على المدينة، وبدون سابق إنذار، أفلتت يد والدها، ووجدت نفسها تسقط في بلاعة مكشوفة، لم يكن هناك أي تحذير أو إشارات، فقط مياه الأمطار الغزيرة التي تكدست فجأة في الشوارع، فقدت يسرى حياتها في تلك اللحظات القاسية، وأصبح والدها في حالة من الذهول والحزن الشديد، غير قادر على إنقاذ ابنته التي كانت أحلامه وآماله.
كابن مدينة بركان، وكأب، لا يمكنني أن أتخيل مشاعر والديها أو من عرفوا الطفلة. في كل لحظة، ومع كل دمعة تذرف، أشعر بأنني جزء من هذه الفاجعة، لا يمكنني أن أكون بعيداً عنها، حتى وإن كنت بعيداً عن المدينة.
بركان ليست مجرد مدينة بالنسبة لي، هي قلب ينبض بحب الناس، وجمالها وتاريخها جزء من هويتي. وكل ما يحدث فيها يلمسني بشكل عميق، كما لو أنني عشت تلك اللحظة ذاتها.
اللحظة التي فقدت فيها يسرى الحياة، فقدنا معها جزءاً من إنسانيتنا
ما حدث ليسرى ليس مجرد حادث عابر، بل هو جرس إنذار لكل واحد منا. كيف يمكن لبلاعة مياه أن تكون مفتوحة وسط شوارع المدينة؟ كيف لم يتم وضع إشارات تحذيرية، أو على الأقل غلقها بشكل آمن؟ كيف يمكن أن نسمح للأطفال، وهم الأمل المستقبلي، أن يمشوا في شوارع لا توفر لهم الأمان؟ هذه الأسئلة تُطرح اليوم، واليوم فقط، بعد أن فقدنا يسرى، وهي الطفلة التي كانت تنتظر الحياة، ولا تستحق أن تأخذها هذه الظروف المأساوية.
ألم تكن هناك مسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون شيئًا عن الأضرار التي قد تسببها هذه الحفر، سوى أنهم يستمتعون بحلم العودة إلى منازلهم بعد يوم طويل في المدرسة؟ ماذا عن دور الفاعل الترابي والجهات المختصة في حماية المواطنين؟ ألا يعتبر هذا الحادث نتيجة مباشرة لإهمال متراكم لسلامة الناس، خاصة الأطفال؟ أسئلة كثيرة تتطلب أجوبة واضحة، ولا ينبغي أن يُسمح لها بأن تُختتم بمجرد أن تصبح الفاجعة ذكرى، دون اتخاذ خطوات جادة لحماية حياة أطفالنا.
ما يحدث في بركان هو مأساة، لكنها ليست حالة معزولة
إننا نعيش في وطننا حيث الأمطار، رغم جمالها، يمكن أن تتحول إلى خطر يهدد حياة الناس، وخصوصًا الأطفال، الذين يتعرضون لمثل هذه المواقف، يومًا بعد يوم، بل إننا نعلم أن المدن الكبرى في المغرب، حتى مع تقدمها، لا تزال تعاني من ضعف في البنية التحتية ومن الإهمال الذي قد يؤدي إلى مثل هذه الحوادث.
لكن ما يجعل هذه الفاجعة أكثر إيلامًا هو أنها تخص طفلة مثل يسرى، التي كان حلمها بسيطًا: العودة إلى بيتها بعد يوم من التعلم. كيف لهذه الفتاة الصغيرة أن تدفع ثمن الإهمال الذي كان من الممكن أن يكون قد تم تجنبه؟ كيف يمكننا أن نعيش مع هذه الحقيقة بأن حياتها انتهت بسبب غياب الإجراءات البسيطة التي كانت لتجنب هذه الكارثة؟
أين نحن من مسؤولياتنا؟
يسرى لم تكن مجرد طفلة فقدت حياتها في حادث مأساوي، بل كانت رمزًا للبراءة والأمل، ولا يجب أن يُسمح لها أن تصبح مجرد ذكرى، بل يجب أن تُحرك هذه الفاجعة ضمائرنا جميعًا. يجب أن ندرك أن هذا الحادث هو صرخة إنسانية، ليس فقط من أجل يسرى، بل من أجل كل طفل يعيش في مدينة بركان وفي أي مدينة أخرى حيث تفتقر البنية التحتية إلى الأمان.
ختامًا، ليس لنا سوى أن نحتسب يسرى عند الله تعالى، ونقف جميعًا مع أهلها وأهل مدينة بركان في هذه اللحظات الصعبة، دعونا نتذكرها، ونؤكد أن حياتها يجب ألا تذهب سدى، فكل واحد منا مطالب بتغيير الواقع الذي نعيشه، ولعلَّ أول خطوة في ذلك تكون من خلال المطالبة بتحسين شروط السلامة العامة في الشوارع، وخاصة للأطفال الذين هم أمانة بين أيدينا.