من البحر المتوسط إلى قادش ثم الوادي الكبير.. طريق الحشيش إلى قلب أوروبا

أصبح الحشيش، المستخرج من القنب الهندي، محور شبكة معقدة لتهريب المخدرات تربط بين المغرب، إسبانيا وبقية أوروبا.
يعبر طريق الحشيش نحو المستهلكين الأوروبيين عبر الأندلس، مع مدينتي قادش وإشبيلية كنقطتين رئيسيتين في مساره.
في منطقة الريف المغربية، بين طنجة وشفشاون إلى الحسيمة، تنتشر مزارع واسعة للقنب الهندي تُشاهد بشكل علني.
في هذه المناطق، يتم جمع الكيف، وهو المادة الخام للحشيش، يدويًا وبسرعة، ويتم تخزين هذه الإنتاجية الضخمة في مناطق بإقليم العرائش، التي يعتبرها الحرس المدني الإسباني معقلًا لأهم المنتجين، وفق تقرير نشرته صحيفة “إل كونفيدنثيال” في إشبيلية.
يبلغ السعر الأولي للحشيش في المغرب حوالي 600 يورو للكيلوغرام الواحد من النوعية العالية الجودة. لكن عند عبور الحدود والوصول إلى السواحل الأندلسية، يتضاعف السعر تقريبًا ليصل إلى 1400 يورو.
وفي السوق الأوروبية، يرتفع السعر إلى 2200 يورو في دول مثل فرنسا، ألمانيا وهولندا، وفي بعض الحالات يصل إلى 4000 يورو إذا كان من النوعية عالية الجودة.

قادش بوابة دخول رئيسية

يُعد مضيق جبل طارق، الذي يفصل بين المغرب وإسبانيا بمسافة لا تتجاوز 14 كيلومترًا، الطريق الرئيسي لنقل الحشيش إلى أوروبا. في هذا الممر، تستخدم المنظمات الإجرامية قوارب سريعة تُعرف باسم “قوارب المخدرات”، والتي يمكنها عبور المضيق في دقائق معدودة. وتصبح مدينة قادش، بخطها الساحلي الواسع، أول نقطة لدخول هذه الشحنات.
يتم تفريغ الشحنات عادة في شواطئ مهجورة أو مناطق معزولة على الساحل القادشي. يعمل المهربون ضمن شبكات منظمة تجمع بين الدقة اللوجستية والتكنولوجيا، حيث يقومون بتفريغ الشحنات بسرعة وتوزيعها في مركبات معدة خصيصًا لتجنب نقاط التفتيش الأمنية.
ومن قادش، يبدأ الحشيش رحلته نحو الداخل، مع مدينة إشبيلية كحلقة رئيسية تالية في هذه السلسلة.

دور الوادي الكبير

استعاد نهر الوادي الكبير، الذي يصب في مدينة “سانلوكار دي باراميدا”، دوره التاريخي كطريق تجاري، لكن هذه المرة في خدمة تهريب المخدرات.
تحمل القوارب المحملة بحزم الحشيش شحناتها على طول النهر نحو مدن مثل ليبريخا، لوس بالاثيوس، وكوريا ديل ريو. وتعمل هذه البلدات الواقعة في مقاطعة إشبيلية، والموجودة بشكل استراتيجي على طول النهر، كمراكز للتخزين والتوزيع.
تُسهم جغرافيا إشبيلية، التي تتميز بشبكة واسعة من الطرق السريعة واتصالاتها المائية، في تسهيل نقل المخدرات إلى مدن إسبانية أخرى مثل فالنسيا، برشلونة، ومدريد.
ومن هذه النقاط، ينتشر الحشيش إلى الأسواق الدولية، مما يجعل من الأندلس عقدة حيوية في هذه العملية العالمية.

قادش وإشبيلية

لا تُعد قادش مجرد بوابة دخول للحشيش إلى أوروبا، بل إن موقعها الاستراتيجي يجعلها مركزًا لوجستيًا رئيسيًا لعمليات التهريب. فالقرب من المغرب وشريطها الساحلي الواسع يوفران ظروفًا مثالية لعمليات المهربين.
من جهة أخرى، تلعب إشبيلية دورًا مهمًا كنقطة إعادة توزيع بفضل بنيتها التحتية واتصالاتها المتعددة. كما أن الخصائص الطبيعية لنهر الوادي الكبير، مثل قابليته للملاحة وصعوبة مراقبته في بعض المناطق، تجعله ممرا محوريا للمهربين.

المنظمات وطريقة عملها

بعيدًا عن الصور السينمائية المرتبطة عادة بتهريب المخدرات، تتكون المنظمات التي تعمل على هذا الطريق غالبًا من مهربين محليين تكمن مهمتهم الرئيسية، وهي الأكثر خطورة، في تجاوز الحاجز الحدودي بين المغرب وإسبانيا.
ويُعرف هؤلاء الوسطاء “الناقلين”، الذين يخاطرون بحريتهم وحياتهم مقابل جزء صغير جدًا من الأموال الطائلة التي تولدها هذه الأنشطة.
بعد دخول الحشيش إلى إسبانيا، يقع التحكم في البضائع على عاتق شبكات أكبر تستخدم شاحنات ومركبات وسفن لنقل الشحنات نحو وسط أوروبا.
وعلى الرغم من تزايد جهود الرقابة ومراقبة الشرطة في السنوات الأخيرة، فإن قدرة هذه الشبكات على التكيف لا تزال تشكل تحديًا كبيرًا للسلطات.

الأسواق الأوروبية

يغذي الحشيش الذي يدخل عبر قادش وإشبيلية سوقًا أوروبيًا تكبر باستمرار، مولدًا أرباحًا بملايين اليوروهات للشبكات الإجرامية. ويستمر الطلب العالي في دول مثل فرنسا، ألمانيا، وهولندا في تغذية هذه الأنشطة، مما يجعلها واحدة من أكثر الصناعات غير القانونية ربحًا في العالم.

جهود التصدي

كثفت قوات الأمن في إسبانيا والمغرب، إلى جانب منظمات دولية، جهودها لتفكيك هذه الشبكات. ومع ذلك، فإن حجم المشكلة يتطلب تنسيقًا أوسع وإجراءات تتجاوز مجرد القمع، وتشمل استراتيجيات لمكافحة الفقر وخلق الفرص في المناطق المنتجة.
يعد تهريب الحشيش ظاهرة عابرة للحدود، حيث تلعب قادش وإشبيلية دورًا محوريًا في ربط المغرب بأوروبا. ومواجهة هذه الأنشطة غير القانونية ليست مجرد تحد أمني، بل هي أيضًا مشكلة اجتماعية واقتصادية تتطلب حلولًا شاملة ومستدامة.

(عن موقع “إل كونفيدنثيال” لإشبيلية)

شاهد أيضاً

مليار برميل نفط في أكادير .. اكتشاف حقيقي أم مجرد تقديرات؟

عاد موضوع اكتشاف أكثر من مليار برميل من النفط في ساحل إنزكان قرب مدينة أكادير …

عامل سطات و”الزمر ديال بصح”…

واضح أن عامل سطات فهم بشكل أعوج الجدية التي دعا إليها الملك بعد أن بهدل …

اترك تعليقاً