جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
بقية الحديث … ومن ملفات ” من الفساد الأصغر إلى الفساد الاكبر ” حاولت أن أتطرق إلى فضيحة من العيار الخفيف الثقيل والتي تعبر صورتها عن جوع في الفكر والمبادئ والاخلاق لدى مسؤولينا ، لا سامحهم الله ، هذه الفضيحة التي تتعلق بسرقة مسؤولين وبرلمانيين مغاربة بعض الحلوى أثناء حفل شاي أقامه ملك البلاد على شرفهم تحت قبة البرلمان بالرباط ، وحتى نوضح مدى انطباق هذه الصورة على بقية الصور الاكبر أهمية التي نعيشها في هذا البلد العزيز ، حتى لا نموت حسرة على واقعنا واحوالنا وما يصيبنا من ذلك من نتائج وتبعات كارثية تحذث في البلاد …
فمن الأمثال العامية الشهيرة وذات مغزى عميق وقوي في التعبير عن الفساد وتبعاته ومآله في الأوساط المغربية ، مثل يقول : ” لما قالوا له والدك سقط في الطريق ، رد عليهم بأنه من البيت خرج مائلا ” والأمر هنا ينطبق على وضعنا السيئ وحال المسؤولين والسياسيين والمثقفين وغيرهم من المغاربة الذين بدأت تكشف حقيقتهم الظروف والملابسات ، وتعري عن فضائحهم المواقف في أجلها وأبسطها وتفضح جشعهم وطمعهم ومدى حقارتهم وقد ” بان العربون ” في عدة أحداث ومواقف يندى لها الجبين مثل قيام برلمانيين ومسؤولين بسرقة للحلوى أثناء حفل قام به ملك البلاد على شرفهم دون أن يمثل لهم ذلك أي حرج او حشومة أو شعور بالذنب .. فكيف لا يقومون بسرقة ونهب المال العام واستغلال النفوذ في إقامة المشاريع بكل نهم ؟ فالجواب واضح وسهل جدا التعرف على ملامحه ومرتكزاته وأسسه ، فقط لأنهم ليسوا مؤهلين لخدمة الصالح العام والبلاد والعباد ، إنهم مخلوقون لخدمة مصالحهم الخاصة ومصالح ذويهم وأقاربهم وإشباع غريزة الجشع المتجذر في نفوسهم وتكوينهم الفكري المعتمد على الأنا العليا ومن بعدهم الطوفان … كيف أنهم يتجرؤون على سرقة ولي نعمتهم الذي اصطفاهم من بين ما يقارب 40 مليون من المواطنين ووضع ثقته فيهم ليتحملوا معه شيئا من عبء تسيير هذا البلد العزيز الذي ابتلاه الله بهؤلاء المرضى بالفقر الفكري والأخلاقي وقصور الضمير وانعدام المبادئ القيمة وغياب صفات الرحمة والإنسانية…
وقد استحضرت في هذا الشأن كلاما مجلجلا للمفكر والباحث والمحلل الاقتصادي والسياسي الراحل الأستاذ الجامعي رحمه الله ، حين أبدع في وصف هؤلاء المسؤولين وهذه المخلوقات المفترسة والمصاصة لدماء المواطنين المغاربة والذين عبروا بأفعالهم هذه التي هي مؤشر لما يكون ثقافتهم السيئة وما يخفوه في عقلهم الباطن من فساد أخلاق وخبث مكنون ولؤم مشؤوم وحقد دفين وأذية غير مشفوعة ولا مقطوعة ، الامر الذي يبين على أنهم ليسوا أهلا بثقة قائد البلاد وثقة المواطنين المغاربة ، الذين ينتظرون منهم ان يكونوا في مستوى المسؤولية لخدمة الوطن وأن يكونوا حريصين على تأمين كل صور التنمية والازدهار والرفعة والتقدم لهذا البلد العزيز…
هل هذا هو نصيبنا من هؤلاء المسؤولين الذين ” سال ” لعابهم وتدفق من قطع حلوى فقط ؟ فماذا عن إسناد مسؤوليات جسام لهم بحكم مناصبهم والمهام الموكولة إليهم …. لقد كانت الكارثة العظمى بتقليدهم لهذه المناصب التي استغلوها في قضاء مآربهم ومصالح ذويهم و أقاربهم ومن يزكي أعمالهم ويرقص على إيقاع الفساد مثلهم ، فكان ما كان ، من شتى مظاهر فساد الزمان ، تورط العديد من المسؤولين في المجالس البلدية والبرلمان ، وكذلك في الجامعات ومؤسسات أخرى لم تفلت من ظاهرة الفساد الذي عم كل مكان … وكان لذلك تأثير خطير على المجتمع الذي فقد هويته وغاب فيه الأمان ، وتعددت الحالات الإجرامية وأصبحت تتفشى في مجتمعنا المغربي وتهدد السلم الاجتماعي في البلاد بالإضافة إلى مواقف أخرى متنوعة تخالف القانون والأسس التي ينبني عليها مجتمعنا ، خاصة لدى الشباب ، كالعصيان والفتنة والانحلال الخلقي والبعد عن الدين والعادات والتقاليد والانغماس في المجون ومحاولة تقليد الغرب بطرق سلبية والميل إلى عيش حياة مجانية وسهلة وبدون متاعب ، في إطار الإيمان بالمدينة الفاضلة التي يقدمها لهم العالم الافتراضي أو ما يسمى بالعالم الأزرق ، والذي أصبح متاحا بكل يسر ويغزو كل بيت ومكان بطريقة رهيبة ومقصودة ، تحت ذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة و الخاصة وضرورة الانفتاح على العالم ، رغما عن أي جهة مراقبة ، كالوالدين والمربين وكل من يهمه الأمر …
كل هذا يجعلنا في حيرة من أمرنا ، لدرجة أن ذلك جعلنا نفقد الصواب وخلق الرعب في نفوسنا ليؤثر ذلك بصفة عكسية وسلبية على استقرارنا النفسي والفكري والمادي والمعنوي ، فتحبط أعمالنا وتهدم أحلامنا وأمانينا ، لأننا نرى أن أطفالنا وشبابنا يضيعون في خضم عالم مليء بالمخاطر والهدايا المدسوسة بالسم المادي والمعنوي ، مما سيفقد هذا الخلف هويتهم وقدرتهم على استيعاب الواقع ومواجهة الحياة فيدخلون إلى عالم المجهول الذي لا يعلمه إلا الله ومن يخططون لذلك عن قصد … والأمر لله من قبل ومن بعد …
وللخلاص من هذا الوضع القاتم ، يجب على كل مسؤول او راع ، من دولة ومؤسساتها ومجتمع وأفراد أن يتحملوا مسؤوليتهم في الإصلاح والتوعية والإرشاد ، لخلق مواطن واع بمسؤوليته وقادر على تحملها بكل نضج ووطنية والعمل على إعادة الثقة المتبادلة ، حتى يساهم الجميع كل من مكانه ومستوى وعيه واستطاعته في خدمة البلاد و بناء دولة ومجتمع سليمين وقويين يرقيان إلى مستوى تطلعاته وآماله …
ولهذا وتى لا يأخذنا التيه ، فلابد من من الحفاظ على الهوية التي تجمعنا وتقوقنا والرجوع إلى الأصل الذي هو أصل وفضيلة …
وللحديث بقية …