Screenshot

في الصفحة الأولى لعدد اليوم الإثنين من جريدة الأخبار: حينما يصبح الألم تجارة!

في المغرب، لم تعد أغلب المصحات الخاصة مجرد فضاءات للعلاج، بل صارت أسواقا كبيرة للألم الإنساني. أسواق معلنة، لا تحتاج إلى التخفي أو المواربة، لأنها تعرف جيدا أن من يدخل إليها يكون أضعف من أن يحتج، وأشد حاجة من أن يقاوم.
هذه المصحات الخاصة اليوم لا تقدم الطب، بل تقدم نموذجا صارخا لكيف يتحول المرض إلى فرصة تجارية من الدرجة الأولى.

لكن المصيبة ليست هنا فقط.
الكارثة الحقيقية أن هذا الجشع يجد من يغذيه داخل المستشفيات العمومية نفسها.
نعم، حين يخرج بعض الأطباء من مكاتبهم في المستشفيات العمومية ويهرعون إلى المصحات الخاصة، يصبح المواطن أمام مشهد مزدوج:
قطاع خاص يفرض منطقه المالي، وقطاع عمومي فقد جانبا من روحه بسبب هذا التداخل غير الأخلاقي.

لندخل من الباب الأول، باب المصحات.
من اللحظة الأولى، يعرف المريض أنه لم يدخل فضاء صحيا بل “منطقة احتساب”
الاستقبال لا يسأل: أين يؤلمك؟
بل يسأل: هل تملك الضمانة المالية؟
وكأن المصحة تضع قانونها الذهبي:
العلاج مؤجل.. الفاتورة عاجلة.

ثم تبدأ رحلة التحاليل والفحوصات التي تجرى بكرم غير مفهوم.
تحليل للكبد، وصور للرئة، وتخطيط للقلب، حتى لو كان المشكل مجرد التهاب بسيط.
الأمر لا يتعلق بدقة التشخيص، بل بدقة جمع الأرباح.
وفي النهاية، تقدم للمريض فاتورة تبدو أقرب إلى فواتير تجهيز حفل زفاف منها إلى تكاليف علاج.

غرفة الإيواء فصل آخر من فصول الاستنزاف.
يبيعون للمريض سريرا عاديا بثمن غرفة فندق بخدمة خمس نجوم، بينما الواقع هو:
ممرضة مستعجلة، طبيب لا يظهر إلا دقائق، وإدارة تعرف جيدا كيف تحسب كل شيء، حتى الهواء.

لكن دعونا ننتقل إلى الوجه الثاني من المأساة:
الطبيب العمومي الذي يعمل في المصحة الخاصة وكأنه في بيته الأصلي.

في المستشفى العمومي، يدخل المريض في طابور طويل، ساعات انتظار، نقص في الموارد، ضغط رهيب، ونظرة باردة تقول: “ما بيدي حيلة”.
لكن المفارقة الصادمة تحدث حين يلتقي المريض بالطبيب نفسه مساء داخل مصحة خاصة، فيجد اسما آخر، وابتسامة أخرى، وطريقة تعامل مختلفة تماما.
كيف يتحول الطبيب الذي لم يكن يملك دقيقة في المستشفى إلى طبيب يملك نصف ساعة في المصحة؟
كيف يصبح التحليل الذي كان “غير ضروري” في الصباح، “ضرورياً جدا” في المساء؟
وكيف تتحول العملية التي كانت لا تستدعي استعجالا إلى إجراء مهم يجب القيام به فورا في المصحة الخاصة؟

الجواب بسيط، ومؤلم:
حيث يوجد المال، يوجد الوقت، وتوجد الرعاية، وتوجد اليقظة الطبية.

هذا التداخل بين القطاعين خلق وضعا شاذا:
المستشفى العمومي يُترك ليتآكل،
والمصحة الخاصة تُمنح قوة إضافية،
والمريض يغرق بينهما بلا نجدة.

الدولة تعلم.. والمجتمع يعلم.. والأطباء أنفسهم يعلمون.
ولا أحد ينكر أن الطبيب له الحق في تحسين دخله، وأن ظروف المستشفيات العمومية مرهقة وقاسية.
لكن هناك فرقا كبيرا بين طبيب يبحث عن دخل إضافي بشرف،
وطبيب يحول المستشفى العمومي إلى مجرد محطة عبور نحو زبائن المصحات الخاصة.

المغاربة اليوم لا يطلبون معجزة.
يطلبون فقط قطاعا صحيا يحترم إنسانيتهم،
ومصحات لا تبيع الهواء،
وأطباء لا يقايضون الألم بالمال،
ودولة تحمي المرضى لا الفواتير.

إلى أن يحدث ذلك، سيظل المواطن يدخل المصحة بمرض،
ويخرج بمرضين:
واحد في جسده، والثاني في كرامته.

نعيمة لحروري

Screenshot

شاهد أيضاً

بيروت ولقاءاتها التي لا تتكرر: اليوم مع عبد الله حمودي، درس بيروت اليوم، من عالم الأنثرپولوحيا الشهير عبد الله حمودي

جمعتني اليوم بيروت … بالدكتور وعالم الأنثرپولوجيا الشهير عبد الله حمودي … وكانت فرصة لا …

كنت اتحاديا وانتهى الكلام

هذا آخر الكلام، وقد قررت عدم الخوض مرة أخرى، في قضايا حزب كبير سمي على …

اترك تعليقاً