إيمان بوحزامة
في الماضي، كانت المعصية تُرتكب في الخفاء، ليس لأن الناس بلا أخطاء، بل لأنهم كانوا يشعرون بثقلها ويستحون منها أمام الله والناس. كان الحياء حاجزاً بين المرء وخطيئته، والحياء كما قال النبي ﷺ: “الحياء لا يأتي إلا بخير” [رواه البخاري]. لم يكن المرء يفاخر بترك الصلاة أو شرب الخمر أو اقتراف الفواحش، بل كان يستتر حفاظاً على ما تبقى في قلبه من نور، ولعل ذلك الحياء كان خطوة أولى نحو التوبة.
أما اليوم فقد تبدلت الموازين، وأصبحت المجاهرة بالمعصية مظهراً من مظاهر الجرأة والتحرر، وصارت بعض المحرمات تُعرض على أنها سلوكيات طبيعية أو اختيارات شخصية لا يحق لأحد الاعتراض عليها. يتباهى البعض بما كان يُستحى منه بالأمس، وينشرون صوراً ومقاطع تحوّل الحرام إلى أمر مألوف، حتى فقد كثير من الناس الإحساس بخطورته. وقد حذّر النبي ﷺ من ذلك حين قال: “كل أمتي معافى إلا المجاهرين” [رواه البخاري]، والمجاهر هو من لا يكتفي بفعل المعصية، بل ينشرها ويُطبع الناس عليها.
هذا التطبيع مع المعصية أخطر مما يبدو؛ فهو مع مرور الوقت يجعل المنكر معروفاً، والحرام مألوفاً، حتى يُتعامل معه وكأنه ليس جرماً. ومع تكرار المشاهد والصور، تضعف مناعة القلوب، ويختفي الحياء، وتُمحى الحدود بين الحلال والحرام في الوعي العام.
هنا يبرز السؤال: لماذا نترك الميدان فارغاً؟ لماذا يهيمن صوت المجاهرة بالمعصية بينما يظل الخير في الظل؟ ألم يحن الوقت لأن نزاحم تلك الصور السلبية بصور إيجابية، وأن نملأ الفضاء العام بمشاهد الطاعة والعمل الصالح؟ إن نشر صورة من العمرة، أو مشهد في المسجد، أو لحظة صدقة، ليس بالضرورة رياءً، بل قد يكون تذكيراً وإلهاماً للآخرين. وقد قال النبي ﷺ: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها” [رواه مسلم].
ليس المطلوب أن نتصنع المثالية أو ندّعي الكمال، بل أن نُعيد للخير مكانته في الوعي الجمعي، وأن نثبت أن الحرية الحقيقية ليست في كسر القيود الأخلاقية، بل في الاختيار الواعي لما يرضي الله ويصون الكرامة. فكما أن المجاهرة بالمعصية تؤثر سلباً، فإن المجاهرة بالخير قد توقظ القلوب وتعيد التوازن للمجتمع.
إنه وقت الزحام الجميل، حيث يزاحم النور الظلام، والحياء الجرأة الفارغة، والرحمة القسوة. فلا يكفي أن نترك الخير صامتاً، بل علينا أن نحمله إلى الضوء، ليكون حاضراً، مُلهماً، وقادراً على مواجهة الضجيج بالثبات والمعنى.