جريدة النشرة : د. عبد اللطيف سيفيا
إننا نعيش في هذا الزمان على إيقاع تغول المواقف العبثية والسلبية التي تصب في انتشار ظواهر اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها وتكريس أوجه الفساد والترصد للفرص واستغلالها في غير محلها ، مما لا يخدم مصلحة البلاد والعباد ، مع غياب تام للمواقف الفعلية الجادة لتحصيل حاصل لا يمت للوطنية بأية صلة ولا يحمل روح المواطنة الحقة ولا أسس الإنسانية المحضة ولا محتوى الدستور الأخير الذي صرفت من اجله طاقات بشرية وفكرية ومالية ومؤسساتية ولا اتباعا للتعليمات السامية لملك البلاد التي كانت رائدة ومفعمة بشتى المفاهيم الديمقراطية والحداثة المنبنية على أمل تأسيس دولة حداثية ورائدة في التنمية البشرية وكل ما له صلة بالرفع من قيمة البلاد والسير بها في طريق التقدم والازدهار والرفاهية … لكن كما يقول المثل ” يد واحدة لا تصفق ” والمثل القائل ” لمن تحكي زابورك يا داود ” لأن السبات قد أغشى عيون وعقول المسؤولين وقلوبهم وضمائرهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل فيهم ، وعسى ان تؤتي تعليمات صاحب الجلالة أكلها في محاسبة المسؤولين عن تكريس الفساد في البلاد والذي أشار إليه جلالته في عدة مواقف ، وكذلك المجهودات الجبارة التي تقدم عليها مؤخرا وزارة الداخلية والامن الوطني والفرق القضائية ولجان البحث والتمحيص والمراقبة والمؤسسات القضائية ، والتي سجلت تورط العديد من المسؤولين سواء البرلمانيين أو رؤساء الأقاليم والجماعات ورؤساء مؤسسات كبيرة للدولة وغيرهم وفي ميادين متعددة ، هم متابعون الآن في قضايا فساد أضرت بالسير العادي للمؤسسات ن وتسبب في العديد من المشاكل المتنوعة الناتجة عن سوء التدبير وهدر المال العام … الأمر الذي أحدث فراغا سياسيا ونقابيا وطنيا خلف نفورا للمواطنين وعدم الثقة في هذه المؤسسات التي هي مسؤولة بالدرجة الأولى عن الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد في شتى المجالات والميادين مما أدى إلى احتقان شعبي ملغوم وعلى أهبة الانفجار ، ولا يستبعده إلا تعلق المواطنين بملك البلاد وآمالهم المعقودة على قراراته السامية المتزنة والمتعقلة بإنقاد الوضع وإشفاء غليل الشعب الذي انهكته الحكومات المتتالية بوابل التعسفات في استعمال السلطة وتكريس ثقافة الظلم والتعسف وهضم الحقوق واستلابها واحتكار المواقف واستغلال المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة وهلم جرا …
ناهيك عن مؤسسات المجتمع المدني التي أصابها الفتور ، رغم تشجيع ملك البلاد لها وتحفيزها ماديا ومعنويا لحلحلة بعض المواقف والاوضاع الاجتماعية التي تحتاج إلى مساندة وتوجيه ، وما تمكنت هذه الجمعيات من تحصيلة من قيمة هامة ووضعية قانونية تسمح لها بممارسة مهامها بكل حرية ومصداقية ، لكن للأسف نجدها قد أخذها الطوفان وجعل كلا منها تغني على ليلاها متناسية دورها الحقيقي الذي خلقت من أجله ، بالإضافة إلى أجهزة أخرى متواطئة في تكريس هذا الفساد الذي أضحى سرطانا ينخر البلاد والعباد كجهاز الصحافة والإعلام الذي أصبح يتملص من مسؤوليته ويخرج عن نطاق دوره الفعال في التثقيف والتوعية والتوجيه والإرشاد ، خاصة وأننا أصبحنا نرى العالم من حولنا يتغير كثيرا وبسرعة مفرطة ، فقد أضحى العالم مدينة واحدة والدولة قرية والعواصم احياء في ظل التواصل الإعلامي الكثيف وقوته الرهيبة في عصر التقنية والتكنولوجيا التي تعرف الدول العظمة كالولايات المتحدة وأوروبا كيف تستغلها في التاثير على باقي الشعوب والدول وتشككها في ثقافتها وأديانها وعقائدها وعاداتها ، بل شككوهم حتى في الدواء والغذاء وفي أسس الحياة وقواعدها ومعانيها وأهدافها ، ونحن معشر صحافيينا وإعلاميينا يهتمون بالأمور التافهة ويغلبونها على ما هو مصيري وحتمي ، فيشجعون الرويبضات ليختلط الصالح بالطالح والغث بالسمين والعالم بالجاهل والمثقف بالسطحي والفقيه بالعامي … وكل يهرف بما يعرف وما لا يعرف … فمن سمح لهؤلاء باعتلاء هذه المنابر والمنصات ؟ ومن سمح لهم بالتصدر في الخطابة والنصح والإرشاد دون ان يعوا بما يقبلون عليه ويكرسونه من جهل للصالح العام والبلاد والعباد ؟ وما هي المؤهلات التي يحملونها ويرتكزون عليها في القيام بهذه المهمات الصعاب الغلاظ ؟!
اتقوا الله يا هؤلاء فيما أنتم مقدمون عليه ، وخافوا ربكم في النشء والشباب واليافعين وفي البلاد والعباد.
ورجوعا إلى المثل العامي المغربي القائل ” اللي ما عندو سيدو عندو لالاه” والمثل القائل ” كم حاجة قضيناها بتركها وقضيت بفضل سيدات المجتمع من زوجات المسؤولين ” ومن خلال حدث رجولي لزوجة أحد المسؤولين ، كما هو مشاع ، تبين لي واضحا دور عنصر القوة التي يتم بفضلها قضاء مصالح المواطنين وفك الخناق عنهم وأهمية ذلك ، هذه القوة والتي قد تتميز بها هؤلاء النساء أكثر مما يتميز به العديد من مسؤولينا الذين ليسوا فالحين إلا في إصدار قوانين وقرارات عبثية تساهم في تكريس الفساد في المجتمع ومسح هويته الثقافية والدينية وغيرها ، كابتداع العلاقات الرضائية مثلا ومواقف أخرى غير صحية أريد بها باطل .
ففي نازلة جذيذة توضح قوة استهتار المسؤولين وعدم جرأتهم على علاج بعض المواقف و المظاهر الاجتماعية التي ليست مستعصية لتتحول إلى قنابل موقوتة تنفجر في وجه المواطنين بين الفينة والأخرى مخلفة تبعات لا يحمد عقباها كظاهرة حراسة مواقف السيارات التي لازلنا نعيش مشاكلها مع من يسمون ب” باردين الكتاف : والبلطجية الذين ينصبون أنفسهم بالقوة ببعض الاماكن سواء بالشوارع والازقة وأمام المرافق العمومية والخصوصية كالمساجد والمستشفيات العمومية والمصحات الخصوصية والمؤسسات التربوية التعليمية والحدائق وبالشواطئ والمقاهي … هؤلاء الأشخاص الذين ينصبون انفسهم في هذه الاماكن بالقوة ويفرضون رسومات بأثمنة خيالية وعشوائية تختلف من مكان لآخر ، مما يثقل كاهل المواطنين الذين يؤدونها مسبقا من خلال الضرائب المفروضة عليهم من طرف الدولة مقابل واجب استعمالهم للطرقات ولمثل هذه الأماكن سنويا ، الامر الذي يثير حفيظة المواطنين ويجعلهم بين أنياب لا ترحم قد تنهشهم وتحول اوقاتهم إلى مواقف جهنمية يرون فيها جميع صور التهديد والعنف اللفظي والجسدي وأمام انظار السلطات المعنية التي تفضل التزام الحياد لحاجة في نفسها ، لتبقى هذه الظاهرة غير الصحية تكرس على المواطنين رغما عن انفسهم وتزيد من معاناتهم وتكرس عليهم مزيدا من أنواع القهر والظلم والفساد .
لكن ، حمدا لله ، لازلنا نحتمي بسيدات المجتمع المغربي أبقاهن الله ذخرا وملاذا لنا ، في غياب جدية مسؤولينا المحليين والوطنيين في القيام بواجبهم وتحمل المسؤوليات المنوطة بهم ، بحيث تمكنت زوجة مسؤولل من وضع حد لمثل هذه التصرفات الهمجية الصادرة عن بعض من ينصبون أنفسهم حراسا للسيارات والدراجات والعربات بكل اصنافها للاستحواذ على ريعها الذي يذر عليهم أرباحا طائلة لا تستفيد خزينة الدولة من مداخيلها ، وكأنه إرث حلال تركه لهم الآباء والأجداد فيتصرفون فيه كما يحلو لهم وبكل أريحية ودون حسيب او رقيب .
وقد استطاعت إحدى سيدات المجتمع ، زوجة مسؤول سام ، ان تجد حلا عجز عنه المسؤولون وبقي يؤرق نفسية المواطنين ويقلق راحتهم ويدوس على كرامتهم لسنين وعقود ، لتفك لغز هذه الكارثة التي ابتلي بها المواطنون بجميع ربوع المملكة وأصبحت كابوسا يلاحقهم ويهدد راحتهم وامنهم وأرواحهم وممتلكاتهم ، استطاعت هذه السيدة ، كثر الله من امثالها ، أن تتدخل لمحو العار الذي طال المواطنين ، بحيث تعرضت لوابل من السب فقط لأنها أرادت أن تمارس حقها في ركن سيارتها ، لتواجه بتسلط هؤلاء البلطجية والطغاة المستحوذين على الملك العمومي ، وما أكثر مثل هذه المواقف في بلادنا في ظروف غياب تام للمواقف … والفاهم يفقذهم … لتتمكن هذه السيدة وبقدرة قادر من فك لغز إحدى مواقف السيارات بباب الشعبة بمدينة أسفي ، وتكون سببا في تحويله إلى موقف مجاني بقرار جماعي ويتم تعليق لافتات تشير إلى مجانية الوقوف وذلك تحت حراسة القوات المساعدة واعوان السلطة … وهكذا يكونوا عيالات الرجال وإلا فلا ، امرأة بألف رجل والعز لهذه السيدة ولمثيلاتها ، أما الرجال فيبدو انهم لم تبق لديهم إلا الذكورة … أوشوف تشوف … وللحديث بقية …