تُعد مدينة السعيدية من أبرز المدن الساحلية بالمغرب، لما تزخر به من مؤهلات طبيعية وموقع استراتيجي يؤهلها لتكون قطبًا سياحيًا مستدامًا بامتياز. غير أن المتتبع لمسار تطورها خلال السنوات الأخيرة يلاحظ بوضوح وجود فجوة بين الأهداف المعلنة في إطار المخطط الوطني للساحل، والواقع الميداني الذي تعيشه المدينة.فالمخطط الوطني للساحل، كما حدده القانون 81.12، جاء برؤية واضحة تقوم على حماية الساحل، وتنظيم التعمير، وضمان ولوج المواطنين إلى الملك البحري العمومي، مع تحقيق تنمية اقتصادية تحترم البيئة وتخدم الساكنة المحلية. غير أن تنزيل هذه المبادئ في السعيدية يطرح عدة تساؤلات مشروعة حول الحكامة، ونجاعة التدبير، ومدى احترام التوازن بين الاستثمار والمصلحة العامة.تعاني السعيدية من نموذج تنموي يغلب عليه الطابع الموسمي، حيث تنتعش المدينة خلال فترة قصيرة من السنة، لتعود بعدها إلى حالة من الركود الواضح. هذا الوضع ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي، وعلى فرص الشغل، وعلى استدامة الاستثمارات، ويطرح إشكالية غياب رؤية شمولية تضمن حيوية المدينة على مدار السنة.كما يلاحظ استمرار عدد من الإكراهات المرتبطة بتدبير الشريط الساحلي، من بينها الضغط العمراني، وضعف الصيانة، وتراجع جاذبية الفضاءات العمومية، إضافة إلى إشكالات تتعلق بولوج المواطنين إلى الشاطئ، وهو حق يكفله القانون باعتبار الساحل ملكًا عموميًا مشتركًا.إن تقييم تجربة السعيدية لا ينبغي أن يُفهم كرفض للاستثمار أو للتنمية السياحية، بل كدعوة صريحة إلى إعادة توجيه الاختيارات، وتصحيح بعض الاختلالات التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة. فالتنمية الحقيقية لا تُقاس فقط بحجم المشاريع، بل بمدى استدامتها، واحترامها للبيئة، وانعكاسها الإيجابي على حياة الساكنة.وعليه، فإن المرحلة الراهنة تستدعي فتح نقاش مؤسساتي وعمومي مسؤول حول مستقبل السعيدية، في أفق تفعيل مقتضيات المخطط الوطني للساحل بشكل فعلي، وتعزيز التنسيق بين مختلف المتدخلين، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن إعادة الاعتبار لهذه المدينة الساحلية، ويجعلها نموذجًا لتنمية متوازنة ومنصفة.السعيدية تمتلك كل المقومات، وما ينقصها اليوم هو وضوح الرؤية وفعالية التنفيذ.
الرسالة موقع إخباري متنوع