الرحيل بهدوء… حين تغفو الجراح

‎■ سليمة فرجي

في رحلة الحياة، كثيرون مرّوا، بعضهم اقترب أكثر مما يجب، فتغلغلوا في القلب بلا حذر. أعطيناهم ثقتنا، لا لأنهم استحقوها، بل لأننا ببساطة لا نعرف كيف نحقد، لا نحسن ردّ الأذى، ولا نُجيد فن الانتقام.
‎طيبتنا المفرطة ليست قرارا ، بل تكوينٌ يسكن جيناتنا، وقلوبنا التي تسع كل شيء. أعطينا بلا حساب، وآثرنا غيرنا على أنفسنا، واستبعدنا حب المادة من قلوبنا، فكانت النتيجة أن استُغلّت إنسانيتنا، وجرحنا من حيث أحببنا.

‎ومع مرور الزمن، تلتئم الجراح، لكن آثارها تبقى محفورة في القلب. فحتى حين نغفر، هناك ما لا يُنسى.
‎وقد عبّر عن ذلك بصدق عميق الكاتب ماكسنس فان دير ميرش في رائعته “أجساد وأرواح”:

‎“لقد فهمنا بعضنا البعض، وتبادلنا التقدير، واعترف كلٌّ منا بأخطائه… لكن الضربات التي تبادلناها تركت أثرها. لم نعد نتألم، فالجراح التأمت، غير أن القلب قد قسا في مواضع الندوب. والحياة أقصر من أن تعود فيها إلى الحياة ما قد مات. ما كان ينبغي لنا أن نكره بعضنا… فالزمن الذي نملكه لنحب فيه قليل جداً أصلاً.”

‎لما نتقدم في السن ،لا نبحث عن مواجهة ولا عن لوم، فقط نصل إلى قناعة هادئة:
‎الانسحاب أحيانًا هو النجاة.
‎رحيل صامت لا يعني كرهًا، بل حبًا لأنفسنا، وللسلام الذي نستحقه. وربما، ليس لنا أن نتغيّر… ولكن لنا أن نختار المسافة، أن نحمي قلوبنا، أن نغلق الأبواب بلطف ونمضي
وهنا اتذكر بيتا كتبه الشاعر العتيبة
مستقيل وبدمع العين أمضي
هذه الصفحة من عمري وامضي
او كما قالت حاملة الاختام السابقة في فرنسا طوبيرا
احيانا تكون المقاومة هي الرحيل.

شاهد أيضاً

بين التنمية البشرية ومعاناة العمال ..وجدة بين مشاريع الملايين وأزمات المواطنين

 عادل بوحجاري: موقع 20 دقيقة في وقت تُصادق فيه اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية بوجدة على …

لا تقربوا النساء وأنتم فقراء!

لا تقربوا النساء وأنتم فقراء حتى تجدوا ما تنفقون، فإنه إذا دخل الإفلاس من الباب …

اترك تعليقاً