والنقابية والمدنية عن عمقها الاجتماعي، وتراجع الإعلام الأنيق، وأصبح المغاربة غارقين في تفاصيل اليومي حتى قُنّة رأسهم، تمطرهم الهواتف الذكية والحواسيب وشاشات التلفزيون بكل أشكال المسخ الوجودي، محاصرين بأشباه السياسيين الذين زحفوا مثل الجراد على التنظيمات الوسيطية بين الدولة والمجتمع، والتي تتمثل وظيفتها الأساسية في تليين الغرائز المتوحشة، وترسيخ السلوك المدني لدى المواطنين، وتسلق بهلوانيون ومهرجون أعلى سلم مؤسسات الدولة والإدارات، والتنظيمات الحزبية والنقابية والمدنية، بلا كفاءة ولا استحقاق.. وغرقت الساحة السياسية بكائنات سطحية، جشعة، متملقة، وخردة أغبياء لا تليق بمعظمهم حتى سلة مهملات التاريخ.
وها نحن شهود على ذلك الانفصام بيننا كجثث حية وبين شرطنا الإنساني، نفتقد أس الارتكاز الوجودي، الذي هو فن مقاومة الرداءة والتفاهة وكل أشكال الشر الذي تحول إلى ثقافة منوه بقيمتها.. مستسلمين كأبطال تراجيديين لهذا التسونامي الجارف، وعلينا أن نغرق في وحله، ونساير مساراته أو نقاوم كل من موقعه ككائن فاعل، منتج وحيوي ضد ما يسلب المغاربة شرطهم الإنساني، أقصد: الفعل، الأثر، الحركة.. أو نتمسك بنخوة أمير ميكيافيلي لنصالح جوهرنا الحيواني، ونتصرف بمنطق مزدوج: قوة الأسد ومكر الثعلب حتى نحافظ على وجودنا البيولوجي كجثث حية، فالصدق لم يعد فضيلة، والدهاء والأكاذيب هي جوهر العمل السياسي، والحقيقة محض كلمة لبناء جملة، كما يقول صاحب “المناضل الطبقي على الطريقة التاوية”.
نحتاج اليوم إلى زلزال كبير، ليس لنعود إلى ما كنا عليه، فلا يمكن أن نستحم في ذات النهر مرتين، وإنما لنتعرف على أنفسنا، ونصالح شرط وجودنا الإنساني ضد الرداءة والانحطاط ونتعرف على ذواتنا في المرآة، ونقاوم هذا الاستسلام الجماعي لقيم التفاهة والإسفاف، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.
Check Also
حكومة تطاردها لعنات الأرض والسماء
عبدالعزيز كوكاس في نفس المنطقة التي كان يقضي بها العديد من وزراء حكومة الكفاءات والموظفين السامين …
فيلم حياة الماعز وكشف الإستراتيجيات الهندية.
كتب: د. محمود لملومفيلم حياة الماعز فيلم هندي يعلمنا كيف تستخدم الدول قوتها الناعمة “ومنها …