صراع الورثة داخل “الزاوية البودشيشية”

بقلم: علي أنوزلا

مرة أخرى أعود إلى التدوين حول صراع الورثة داخل أكبر زاوية صوفية في المغرب، “الزاوية البودشيشية”، على ضوء التقارير الصحفية التي تتحدث عن مباشرة الشرطة القضائية التحقيق في شبهات فساد مالي وتحويلات بملايين الدراهم وحسابات بنكية بالملايير، وقصور وعقارات ومزارع.. هنا يكمن جوهر الخلاف كما سبق أن كتبت، أي صراع الورثة حول الإرث المالي وليس الإرث الرباني..
لمن لازال يثق في مثل هذه الزوايا الريعية التي تنشر الجهل والخرافة وتساهم في تدجين العقول وتخدير الفقراء، فهذه الفضائح تكشف، لمن لا زالت على عيونهم غشاوة، بأن هذه الزاوية لم تعد، كما يروج خطابها الرسمي، فضاءً للروحانيات والتزكية والتقرب إلى الله، بل تحولت إلى شركة عائلية تبيض ذهبًا لورثتها، تملك حسابات بنكية في الداخل والخارج، وقصورا فارهة بُنيت بأموال المريدين الفقراء. ما يزيد الترسيخ يوماً بعد يوم بأن ما يسمى “الزاوية” ليس سوى واجهة دينية لاستغلال الدين مقابل الخصول على ريع السلطة وامتصاص جيوب السذج الباحثين عن البركة.
هذه “الشركة الروحية” تعمل بعقلية المقاولة: لها رأسمال ضخم مصدره الاكتتابات والولائم والولاءات، ولها زبناء مخلصون يتقاطرون على حضرات الذكر والجذبة طمعاً في “الفتح” و”المقام”، بينما تتحول عائداتهم إلى ثروة شخصية هائلة تقدر بالمليارات هي ما يتصارع حوله اليوم ورثة ثروة هذه الزاوية. هكذا تصبح الخرافة استثماراً مربحاً، والطقوس الدرويشية مجرد آلة لإنتاج الثروة باسم الدين.
هذه الزاوية، تحولت إلى “طائفة” تؤدي وظيفة سياسية بامتياز، لا تختلف عن المنظمات الماسونية، لكن بلبوس إسلامي متخلف، يجمع أتباعها عقد الولاء للشيوخ والمصالح بين الأعضاء الأغنياء، ويقوم جوهرها على قاعدة ذهبية: “ابتعدوا عن السياسة، لا تزعجوا السلطة، واغرقوا الناس في الغيبوبة الروحية”. بهذا المعنى، تتحول الزاوية إلى أداة فعّالة في يد النظام، تُسكِت الأصوات المعارضة والمحتجة، وتُلهي الفقراء المعدمين بالمدائح والأوراد، بينما ينعم قادتها في البذخ يحميهم قربهم وتزلفهم إلى السلطة التي تبادلهم الخدمة بمقابلها.
إن فضيحة التحويلات بالملايين بين أفراد عائلة مشيخة هذه الزاوية، ما هي إلا رأس جبل الجليد، أما قاعدته الضخمة فتكمن في تحالف المال والدين والنفوذ والسلطة والجاه، وفي استغلال هشاشة الناس لتأبيد موقع مريح لشيوخ لا ينتجون أي شيء، يعتاشون على الوهم الذي يبيعونه لمريديهم، و”يضرطون في الحرير”، كما يقول المثل المغربي الدارج. لقد آن الأوان أن تُسمّى الأشياء بأسمائها: هذه الزاوية وغيرها من الزوايا التي تستفيد من الريع وتقتات على تبرعات فقراءها السذج وتصرف عليها الدولة من أموال دافعي الضرائب على شكل هبات ودعم مادي وعيني ليست سوى شركات ريع وفساد، وطوائف مغلقة لا تختلف في جوهرها عن أي تنظيم سري يعبد المصالح ويقدّس الطاعة لعٌرّابيها من شيوخ وأولياء سلطة.

شاهد أيضاً

التعليم.. من معركة خاسرة إلى رهان وجودي

عبد الصمد لغميري تنهض كل أمة بقدر ما تستثمر في تعليمها، وكل مشروع وطني لا …

الصحافة الفاسدة: التغطية في سبيل المال ومحاباة الحكومات

في مناطق عديدة حول العالم ترى بعض وسائل الإعلام مستعدة لتقبل الرشاوى لتقرير ما الذي …

اترك تعليقاً