ريحانة برس – هيئة التحرير
مرة أخرى، تجد زاكورة نفسها تحت رحمة السيول، لتظهر على السطح مشاكل أعمق مما قد يبدو للعيان. فالأمر لا يتعلق فقط بالأمطار التي أغرقت الطرقات والمنازل، بل هو انعكاس لعقود من الفساد وسوء التدبير في مشاريع البنية التحتية، حيث يتم هدر أموال الدولة دون محاسبة أو مراقبة حقيقية.
يظل المواطن هو الضحية الأولى، يدفع ثمن سياسات عشوائية لا تضع في اعتبارها احتياجاته الحقيقية.
ملايين الدراهم التي خُصصت لمشاريع الطرقات والصرف الصحي والبنية التحتية في زاكورة لم تُفلح سوى في بناء جسور هشة، تنهار مع أول هطول للأمطار. طرقات لم تكن لتصمد أمام اختبارات الطبيعة، لتتسبب في قطع التواصل بين المناطق وتعطيل الحياة اليومية للمواطنين. ورغم الوعود المتكررة بالإصلاح، نجد أنفسنا أمام تساؤل مشروع: هل هذه المشاريع تُنفذ لخدمة المواطنين أم أنها واجهة لتبييض أموال فاسدة وتمرير صفقات مشبوهة؟
ليس غريبًا أن نرى هذا المشهد في زاكورة، فقد أصبحت الصفقات العمومية في المغرب، وخاصة في المناطق النائية، فرصة ذهبية لبعض المسؤولين لجمع الثروات الشخصية على حساب المال العام. أين هي المحاسبة؟ وأين هي الجهات الرقابية التي يجب أن تضمن أن هذه الأموال تصرف في مكانها الصحيح؟ يبدو أن غياب الشفافية والتراخي في المحاسبة قد حول بعض المشاريع إلى صناديق سوداء ينهب منها دون حسيب أو رقيب.
تحت وطأة هذه الظروف، يجد المواطن الزاكوري نفسه محاصراً بين انعدام الخدمات الأساسية من جهة، والإهمال الرسمي من جهة أخرى. ومع كل موسم أمطار، يتحول منزله إلى بركة مياه، وتتحول طرقاته إلى مستنقعات، دون أي أفق لتحسين الأوضاع. وبينما المسؤولون يستمرون في إطلاق تصريحاتهم الفارغة ووعودهم الزائفة، يظل المواطن يعيش تحت رحمة سياسات تُدار بمنطق الربح الشخصي، لا المصلحة العامة.
إذا كان الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو قد قال إن “الفضائح هي الشيء الوحيد الذي يفضح الفساد”، فإن سيول زاكورة كانت فضيحة مدوية، عرّت تلك البنية التحتية المهترئة وأظهرت أن الملايين التي صُرفت عليها لم تكن سوى لعبة بأموال الشعب. فهل كان ذلك نتيجة لسوء التخطيط فقط، أم أن في الأمر أبعادًا أخرى تتعلق بالمصالح الشخصية والصفقات المشبوهة؟
نهاية الطريق… هل من محاسبة؟
الطريق إلى زاكورة ليست مجرد طريق متهالكة أغرقتها السيول، بل هي عنوان لمشكلة أعمق تتمثل في إهدار المال العام وغياب المساءلة. بينما يتحدث المسؤولون عن “المشاريع التنموية” و”البنية التحتية المستدامة”، يعيش المواطن في واقع يفضح زيف هذه الادعاءات. وفي ظل استمرار هذه الكوارث، يبقى السؤال المطروح: متى ستتحرك الجهات المعنية لتحاسب من أهدروا المال العام وتحمّلهم المسؤولية؟
قد يبدو الطريق إلى زاكورة طويلًا وشاقًا، لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن هذا الطريق بات شاهدًا على فساد عميق يتغلغل في كل زاوية من زوايا تدبير المال العام. وعلى الرغم من السيول التي تجرف الطرقات، فإنها لن تستطيع أن تجرف الأسئلة المحرجة التي يجب على المسؤولين الإجابة عنها.